يُفترَض بالقمة المقبلة لجامعة الدول العربية التي ستنعقد في الأول والثاني من تشرين الثاني/نوفمبر أن تكون بمثابة اللقاء المرتقب الذي يلتئم فيه شمل العرب، إذ أمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن تحتفي القمة الحادية والثلاثون بعودة سوريا إلى الحضن العربي بعد إقصائها لمدة عقدٍ من الزمن. لكن ذلك لن يتحقق؛ فقد عمدت السعودية ومصر إلى تعطيل الخطوة، بحجّة عدم تنفيذ الخطة التي وضعتها جامعة الدول العربية منذ وقت طويل لمعالجة الأزمة السورية، فيما تنذر الحرب الأهلية المستمرة منذ 11 عامًا بسلوك منحى تصعيدي. وقد قررت الحكومة السورية عدم إرسال وفد إلى العاصمة الجزائرية، مفضِّلةً تمديد عزلتها على التعرض لإذلال النبذ.

يُوجه هذا ضربةً للاستراتيجية الدبلوماسية التي تَتّبعها روسيا واستثمرت فيها موارد طائلة لإثبات أنها شريك موثوق به للبلدان العربية من خلال توقيع اتفاقات وإطلاق مبادرات دبلوماسية أخرى. لقد تسببت الحرب في أوكرانيا بإفشال هذا المجهود، إذ كشفت أن موسكو ليست الحليف الذي تدّعيه. حاليا، تؤثّر أزمة المواد الغذائية اعلى الدول الأعضاء في الجامعة العربية. في هذا الشهر فقط، قال المدير العام لصندوق النقد الدولي إن 141 مليون شخص في العالم العربي معرضون في الوقت الراهن لانعدام الأمن الغذائي الذي تفاقم بشكل كبير نتيجة للتضخم المتفشي ونقص السلع الأساسية بسبب الأزمة الأوكرانية. أدت هذه الأوضاع إلى زيادة، وإن كانت طفيفة، في تهريب الدقيق عبر الحدود، وتسببت في تدهور شديد في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ولا يُستبعد، تبعا لذلك، احتمال حدوث اضطرابات.

فيما يتعلق بهذه الأزمة، سيتعيّن على المشاركين في قمة الجزائر النظر في حقيقتَين كشفت الأزمة الأوكرانية النقاب عنهما. الحقيقة الأولى هي تخلّف الزراعة العربية في مواجهة النقص العالمي. إذ فيما خلا بعض المزارع الصناعية المخصصة للتصدير، لا تزال المزارع في المنطقة فقيرة، وغير مجهّزة كما يجب، وعاجزة عن استيفاء المتطلبات الغذائية للسكان. وفي ذات السياق، تتمثل المسألة الثانية بالحاجة الملحّة إلى إعادة تنظيم قنوات إمدادات الحبوب (أحد الأمثلة الملفتة هو أنه في عام 2020، جاء نحو 80 في المئة من واردات القمح إلى لبنان من أوكرانيا)، كذلك هناك حاجة لإعادة تصميم طرق طاقة جديدة مزوّدة بالتجهيزات اللازمة لمواجهة التحول المتوقع إلى مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب تجارة الغاز الطبيعي المسال الذي يظهر بوصفه بديلا عن الغاز الروسي.

ستكون هذه القمة أيضًا التجمع الأول لدول الجامعة العربية منذ إبرام اتفاقات أبراهام في عام 2020. هل ستساعد الأزمات المشتركة الراهنة على التغلب على "ظهور نزاعات وخلافات"، بحسب تعبير الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون؟ هذا ليس مؤكدا، فالاتجاه نحو تطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية أحدث انقسامًا حادًا بين الأفرقاء الموقّعين على الاتفاقات والدول التي رفضت، حتى الآن، الإقدام على هذه الخطوة.

في حين أن المهمة الرئيسة الملقاة على عاتق قمة الجزائر هي إثبات أن الحوار يمكن أن يسود على الخلاف، فإن جامعة الدول العربية منقسمة أيضًا بشأن نزعتَين سياسيتين واسعتَي النطاق. فبعض الأعضاء يطالبون بالحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها، من هؤلاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي دعا إلى "غلق الباب أمام أي تدخلات خارجية". الهدف الذي يصبو إليه القادة أمثال السيسي هو الحؤول دون التورط في التجاذبات الراهنة بين الشرق والغرب. بيد أن بلدانًا أخرى مثل سوريا والسودان تقبل بأوجه التشابه مع مرحلة الحرب الباردة، من خلال الاصطفاف مع الكتلة الأميركية-الإسرائيلية أو مع روسيا. ويبدو أن الجزائر اعتمدت الخيار الثاني. ففي أعقاب القمة، ستُقام تدريبات عسكرية روسية-جزائرية مشتركة لمكافحة الإرهاب تحت مسمى "درع الصحراء 2022" في قاعدة حماقير العسكرية.

يقول منتقدو جامعة الدول العربية إنها لم تنجح بتاتًا، على امتداد 77 عامًا من وجودها، في رفع الصوت العربي عاليًا في الساحة الدولية. لعل الحل يكمن في إصلاح أنظمة الجامعة، لا سيما عملية صنع القرارات المستندة إلى الإجماع، بهدف زيادة الفاعلية وتحسينها. يشكّل هذا المشروع هاجسًا للدبلوماسيين العرب منذ سنوات، ولكن مثلما هو الحال في الأزمات الراهنة، لا إجماع على مسألة الإصلاح.

بيير بوسيل كاتب عمود وباحث مساعد في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس (FRS-Paris). تركّز أعماله على المجموعات المسلحة في العالم العربي والإسلام السياسي.